فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}.
أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل. هو الذي يسترعي انتباههم. ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم. ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور.. والبرق يخطف أبصارهم، أي يأخذها دون إرادتهم. فالخطف يعني أن الذي يخطف لا ينتظر الإذن، والذي يتم الخطف منه لا يملك القدرة على منع الخاطف. والخطف غير الغصب. فالغصب أن تأخذ الشيء برغم صاحبه.
ولكن.. ما الفرق بين الأخذ والخطف والغصب؟ الأخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك. أو تستأذنه. أي تأخذ الشيء بإذن صاحبه. والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن يستطيع منعك.
والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزا عن منعك من أخذ هذا الشيء.
ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى. إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها، يكون صاحب المحل لا قدرة له على الخاطف لأن الحدث فوق قدرات المخطوف منه، فهو بعيد وغير متوقع للشيء، فلا يستطيع منع الخطف.. أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبها ولكنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث، وإذا حاول أن يقاوم.. فإن الذي سيأخذ الشيء بالرغم عنه لابد أن يكون أقوى منه. أي أن قوة المُغْتَصِب، تكون أقوى من المُغْتَصَب منه.
وقوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}.
لابد أن نتنبه إلى قوله تعالى: {يكاد} أي يكاد أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم. وليس للإنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر.
وقوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ}.
أي أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي. الذي يعطيه لهم البرق. فلا نور في قلوبهم. ولذلك إذا أظلم عليهم توقفوا، لأنه لا نور لهم.
وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}.
يدعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الآية الكريمة التي تقول: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} كيف يكونون صما بكما عميا.. أي أن منافذ الإدراك عندهم لا تعمل، ونحن هنا نتحدث عن العمى الإيماني، ثم يقول تبارك وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} مع أنهم صم وبكم وعمي؟
نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أي لا يرون آيات الله ويقين الإيمان، ولا يسمعون آيات القرآن ويعقلونها.. إذن فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل. ولكن وسائل إدراكهم بالنسبة للمحسات تبقى كما هي. فالمنافق الذي لا يؤمن بيوم القيامة، لا يرى ذلك العذاب الذي ينتظره في الآخرة.
ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم.
بالنسبة للأشياء المحسة. لاستطاع لأنه قادر على كل شيء، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك. حتى لا يأتوا مجادلين في الآخرة، من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات الله. ولو كان لهم سمع لتدبروا القرآن. فأبقى الله لهم أبصارهم وأسماعهم. لتكون حجة عليهم، بأن لهم بصرا ولكنهم انصرفوا عن آيات الله إلى الأشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب الله. وأن لهم سمعا يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على الإسلام. وضرب الإيمان وغير ذلك. فإذا تليت عليهم آيات الله فأنهم لا يسمعونها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: 16].
أي أنهم يسمعون ولا يعقلون ولا يدخل النور إلى قلوبهم، فكأنهم صم عن آيات الله لا يسمعونها.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم لا يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة. ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط. يريدون النفع العاجل، وظلمات قلوبهم. لا تجعلهم يرون نور الإيمان. وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي. فيخطف أبصارهم. ولأنه لا نور في قلوبهم، فإذا ذهبت عنهم الدنيا، تحيط بهم الظلمات من كل مكان لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. مع أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم، لأنهم لا يستخدمونها الاستخدام الإيماني المطلوب. والمفروض أن وسائل الإدراك هذه. تزيدنا إيمانا.. ولكن هؤلاء لا يرون إلا متاع الدنيا. ولا يسمعون إلا وسوسة الشيطان، فالمهمة الإيمانية لوسائل الإدراك توقفت، وكأن هذه الوسائل غير موجودة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{يَكَادُ} مضارع كَادَ، وهي للِمُقَارَبَةِ الفعل، تعمل عمل كان إلاَّ أن خبرها لا يكون إلاَّ مُضَارعًا، وشذَّ مجيئُهُ اسمًا صريحًا؛ قال: الطويل:
فَأُبْتُ إلّى فَهْمٍ وَمَا كِدْتُ آيبًا ** وَكَمْ مِثْلِهَا فَارَقْتُهَا وَهِيَ تَصْفِرُ

والأكثر في خبرها تجرّده من أن، عكس عسى، وقد شذّ اقترانه بها؛ قال رُؤْبَة: الرجز:
قَدْ كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أَنْ يَمْحَصَا

لأنها لمقاربة الفعل، وأَنْ تخلص للاستقبال، فتنافيا.
واعلم أن خبرها- إذا كانت هي مثبتة- منفيٌّ في المعنَى، لأنها للمقاربة.
فإذا قلت: كَادَ زَيْدٌ يَفْعَلُ كان معناه: قارب الفعل إلاّ أنه لم يفعل، فإذا نُفِيَتِ، انتفى خبرها بطريق الأولَى؛ لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى هو من باب أوبى؛ ولهذا كان قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] أبلغ من أن لو قيل: لَمْ يَرَهَا، لأنه لم يقارب الرُّؤْيَة، فكيف له بها؟
وزعم جماعة منهم ابن جِنِّي، وأبو البَقَاءِ، وابن عطية أن نفيها إثبات، وإثباتها نفي؛ حتى ألغز بعضُهُمْ فيها؛ فقال: الطويل:
أَنحويَّ هَذَا العَصْرِ مَا هِيَ لَفظةٌ ** جَرَتْ في لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودِ

إِذَا نُفِيتْ والله أَعْلَمُ أُثْبِتَتْ ** وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ

وحكوا عن ذي الرَّمَّة أنه لما أنشد قولَهُ: الطويل:
إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ** رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

عيب عليه؛ لأنه قال: لم يكد يَبْرَحُ، فيكون قد بَرِحَ، فغيَّره إلى قوله: لَمْ يَزَلْ أو ما هو بمعناه.
والذي غرَّ هؤلاء قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] قالوا: فهي هنا منفية وخبرها مثبت في المعنى؛ لأن الذبح وقع لقوله: {فَذَبَحُوهَا} والجواب عن هذه الآية من وجهين:
أحدهما: أنه يحمل على اختلاف وقتين، أي: ذبحوها في وقت، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.
والثاني: أنه عبّر بنفي مُقَاربة الفعل عن شدَّة تعنُّتهم، وعسرهم في الفعل.
وأما ما حكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة، فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرمَّة في رجوعِهِ عن قوله الأوَّل، وقالوا: هو أبلغُ وأحْسَنُ مما غيَّره إليه.
واعلم أن خبر كاد وأخواتها- غير عَسَى- لا يكون فاعله إلاّ ضميرًا عائدًا على اسمها؛ لأنها للمقاربة أو للشُّرُوع، بخلاف عسى، فإنها للترجِّي؛ تقول: عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومُ أَبُوهُ، ولا يجوز ذلك في غيرها، فأما قوله: الطويل:
وَقَفْتُ عَلَى رَبْعٍ لِميَّةَ نَاقَتِي ** فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ

وَأَسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ ** تُكَلِّمُني أَحْجَارُهُ وَمَلاَعِبُهْ

فأتى بالفاعل ظاهرًا، فقد حمله بعضهم على الشُّذُوذ، ينبغي أن يقال: إنما جاز ذلك؛ لأن الأحجار والملاعب هي عبارة عن الرَّبْعِ، فهي هو، فكأنه قيل: حتَّى كادَ يكلُّمُني؛ ولكنه عبّر عنه بمجموع أجزائه.
وأما قول الآخَرِ: البسيط:
وَقَدْ جَعَلْتُ إِذَا ما قُمْتُ يُثْقِلُني ** ثَوْبِي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ السَّكِرِ

وَكُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلًا ** فَصِرْتُ أَمْشي عَلَى أُخْرَى مِنَ الشَّجَرِ

فأتى بفاعل خبر جعل ظاهرًا، فقد أجيب عنه بوجهين:
أحدهما: أنه على حذْف مضاف، تقديره: وقد جعل ثوبي إذا ما قمت يثقلني.
والثاني: أنه من باب إقامة السَّبب مقام المُسَبَّبِ، فإن نهوضه كذا متسبَّب عن إثقال ثوبه إيَّاه، والمعنى: وقد جعلت أنهض نَهْضَ الشارب الثَّمل لإثقال ثوبي إيَّاي.
ووزن كَادَ كَوِدَ بكسر العين، وهي من ذوات الواو؛ كخَافَ يَخَافُ، وفيها لغةٌ أخرى: فتح عينها، فعلى هذه اللُّغة تضم فاؤها إذا أسندت إلى تاء التكلّم وأخواتها، فتقول: كُدْتُ، وكُدْنَا؛ مثل: قُلْتُ، وقُلْنَا، وقد تنقل كسر عينها إلى فائها مع الإسناد إلى ظاهر، كقوله: الطويل:
وَكِيدَ ضِبَاعُ القُفِّ يَأْكُلْنَ جُثَّتي ** وَكِيدَ خِرَاشٌ عِنْدَ ذَلِكَ يَيْتَمُ

ولا يجوز زيادتها خلافًا للأخفش، وسيأتي إن شاء الله هذا كله في كاد الناقصة.
أما كاد التامة بمعنى مَكَرَ فوزنها فَعَل بفتح العَيْن من ذوات الياء؛ بدليل قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15، 16].
و{البرق} اسمها، و{يخطف} خبرها ويقال: خَطِفَ يَخْطَفُ بكسر عين الماضي، وفتح المضارع، وخَطَفَ يَخْطَفُ عكس اللغة الأولى وفيه تراكيب كثيرة، والمشهور منها الأولى.
الثانية: يخطِف بكسر الطاء، قرأها مجاهد.
الثالثة: عن الحسن بفتح الياء والخاء والطاء، مع تشديد الطاء، والأصل: يَخْتَطِفُ، فأبدلت تاء الافتعال طاء للإدغام.
الرابعة: كذلك، إلاّ أنه بكسر الطاء على أنه أصل التقاء السَّاكنين.
الخامسة: كذلك، إلا أنه بكسر الخاء إتباعًا لكسرة الطاء.
السَّادسة: كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضًا إتباعًا للخاء.
السابعة: يختطف على الأصْل.
الثامنة: يَخْطِّف بفتح الباء، وسكون الخاء، وتشديد الطاء وهي رديئة لتأديتها إلى التقاء ساكنين.
التاسعة: بضمّ الياء، وفتح الخاء، وتشديد الطاء مكسورة، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية.
العاشرة: {يَتَخَطَّفُ} عن أُبّيّ من قوله: {وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].
والخَطْف: أخذ شيء بسرعة، وهذه الجملة- أعني قوله: {يَكَادُ البرق يخطف} لا محلّ لها، لأنه استئناف كأنه قيل: كيف يكون حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل: يكاد يخطف، ويحتمل أن تكون في محل جر صفة لذوي المحذوفة: التقدير: كذوي صيِّب كائدٍ البرق يخطف.
قوله: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ}.
كُلَّ نصب على الظرف؛ لأنها أضيفت إلى ما الظرفية، والعامل فيها جوابها، وهو {مشوا}.
وقيل: ما نكرة موصوفة ومعناها الوقت أيضًا، والعائد محذوف تقديره: كل وقت أضاء لهم فيه، ف {أضاء} على الأول لا مَحَلَّ له؛ لكونه صلةً، ومحلّه الجر على الثاني.
و{أضاء} يجوز أن يكون لازمًا.
وقال المُبَرِّدُ: هو متعدّ، ومفعوله محذوف أي: أضاء لهم البَرْقُ الطريق، فالهاء في فيه تعود على البَرْقِ في قول الجمهور، وعلى الطَّريق المحذوف في قول المُبَرّد.
و{فيه} متعلّق ب {مشوا} وطفي على بابها أي: إنه محيط بهم.
وقيل: بمعنى الباء، ولابد من حذفٍ على القولين: أي: مشوا في ضوئه: أي بضوئه، ولا محل لجملة قوله: {مشوا}؛ لأنها مستأنفة، كأنه جواب لمن يقول: كيف يمضون في حالتي ظهور البرق وخفائه؟
والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصَّيِّب، وما هم فيه من غاية التحيُّر والجهل بما يأتون، وما يذرون.
واعلم أن كلّ من ألفاظ العموم، وهو اسم جامع لازم للإضافة، وقد يحذف ما يُضَاف إليه، وهل تنوينه حينئذ تنوين عوض، أو تنوين صرفٍ؟ قولان: والمضاف إليه كل إن كان معرفة وحذف، بقيت على تعريفها، فلهذا انتصب عنها الحال، ولا يدخلها الألف واللام، وإن وقع ذلك في عبارة بعضهم، وربما انتصب حالًا، وأصلها أن تستعمل توكيدًا كأجمع، والأحسن استعمالها مبتدأ، وليس كونها مفعولًا بها مقصورًا على السماع، ولا مختصًّا بالشعر، خلافًا لزاعم ذلك.
وإذا أضيفت إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العواملة اللفظية، وإذا أضيفت إلى نكرة تعين اعتبار تلك النكرة فيما لها من ضمير وغيره، تقول: كل رجال أَتَوْكَ، فأكرمهم، ولا يجوز أن تراعي لفظ كل فتقول: كلُّ رجالٍ أتاكَ، فأكْرِمه، وكلُّ رجلٍ أتاكَ، فأكْرِمه ولا تقول كلُّ رجلٍ أتَوْك، فأكْرِمْهم؛ اعتبارًا بالمعنى، فأما قوله: الكامل:
جَادَتْ عَلَيْه كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ ** فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ

فراعى المعنى، فهو شاذّ لا يقاس عليه.
وإذا أضيفت إلى معرفة فوجهان، سواء كانت بالإضافة لفظًا؛ نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْدًا} [مريم: 95] فرَاعى لفظ كُل.
أو معنى نحو: [العنكبوت: 40] فراعى لفظها، وقال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] فراعى المعنى.
وقول بعضهم: إن كلما تفيد التكرار ليس ذلك من وضعها، وإنما استفيد من العموم التي دلّت عليه.
فإنك إذا قلت: كلما جئتني أكرمتك كان المعنى أكرمك في كل فرد فرد من جيئاتك إلَيّ.
وقرأ ابن أبي عبلة {ضَاءَ} ثلاثيًا، وهي تدل على أن الرباعي لازم.
وقرئ: {وَإِذَا أُظْلِمَ} مبنيًا للمفعول، وجعله الزمخشري دالًا على أن {أظلم} متعدٍّ، واستأنس أيضًا بقول حَبيبٍ: الطويل:
هُمَا أَظْلَمَا حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا ** ظَلاَمَيْهِمَا عَنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ

ولا دليل في الآيَةِ؛ لاحتمالِ أنَّ أصله، وإذَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ عليهم، فلما بني للمفعول حذف الليل، وقام {عَلَيْهِم} مقامه، وأما بينت حبيب فمولّد.
وإنما صدرت الجملة الأولى ب {كلّما} والثانية ب {إذا} قال الزمخشري: لأنهم حراصٌ على وجود ما هَمّهم به، معقود من إمكان المشي وتأتِّيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقُّفُ والتَّحبُّسُ وهذا هو الظاهر، إلاَّ أن من النحويين من زعم أن {إذا} تفيد التكرار أيضًا؛ وأنشد: البسيط:
إِذَا وَجَدْتُ أُوَارَ الحُبِّ في كَبِدِي ** أَقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ

قال: معناه معنى {كلما}.
قوله: {قَامُوا} أي وقفوا أو ثبتوا في مكانهم، ومنهن قامت السوق.
قوله: {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}.
{لو} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، هذه عبارة سيبويه وهي أولى من عبارة غيره، وهي حرف امتناع لامتناع لصحة العبارة الأولى في نحو قوله تعالى: {لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109].
وفي قوله عليه السلام: «نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْب، لو لم يَخفِ الله لم يَعْصِهِ» وعدم صحّة الثانية في ذلك كما سيأتي محررًا، ولفساد قولهم: لو كان إنسانًا لكان حيوانًا؛ إذْ لا يلزمُ من امتناع الإِنسَانِ امتناعُ الحيوان، ولا يجزم بها خلافًا لقَوْم، فأما قوله: الرمل:
لو يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ ** لاَحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ

وقول الآخر: البسيط:
تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ ** إِحْدىَ نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا

فمن تسكين المتحرك ضرورةً.
وأكثر ما تكون شرطًا في الماضي، وقد تأتي بمعنى إِن؛ كقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ} [النساء: 9] وقوله: الطويل:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأخْيَليَّةَ سَلَّمَتْ ** عَلَيّ ودُوني جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ

لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَا ** إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ

ولا تكون مصدريةً على للصحيح، وقد تُشَرَّب معنى التمني، فتنصب المضارع بعد الفاء جوابًا لها؛ نحو: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} [الشعراء: 102] وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب: المشهور أن {لو} تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أنها لا تفيد إلا الرَّبط، واحتج عليه بالآية والخبر:
أما الآية فقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، فلو أفادت كلمة {لو} انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره لزم التَّنَاقض؛ لأن قوله: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23]، يقتضي أنه ما علم فيهم خيرًا وما أسمعهم، وقوله: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، يقيد أنه ما أسمعهم، ولا تولوا؛ لكن عدم التولي خير، فيلزم أن يكون قد علم فيهم خيرًا، وما علم فيهم خيرًا.
وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: «نعم الرَّجُلُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ» فعلى مقتضى قولهم: يلزم أنه خاف الله وعصاه، وذلك متناقض، فعلمنا أن كلمة {لو} إنما تفيد الربط.
وشاء أصله: شيء على فعِل بكسر العين، وإنما قلبت الياء ألفًا للقاعدة الممهدة ومفعوله محذوف تقديره ولو شاء الله إذهابًا؛ وكثر حف مفعوله ومفعول أراد، حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب؛ كقوله تعالى: {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [الزمر: 4]؛ وأنشدوا: الطويل:
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ ** عَلِيْهِ وَلَكِنْ سَاحَةُ الصَّبْرِ أَوْسَعُ

واللام في {لذهب} جواب {لو}.
واعلم أن جوابها يكثر دخول اللام عليه مثبتًا، وقد تحذف؛ قال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70].
ويقلّ دخولها عليه منفيًا بما، ويمتنع دخولها عليه منفيًا بغير ما؛ نحو: لو قمت لَمْ أَقُمْ؛ لتوالي لامين فيثقل، وقد يحذف؛ كقوله: الكامل:
لا يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إِلاَّ مُظْهِرًا ** خُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تكُونُ عَدِيمَا

و{بسمعهم} كتعلّق بذهب.
وقرئ: {لأَذْهَبَ} فتكون الياء زائدة أو تمون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ونحوه {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] والمراد من السمع: السماع، أي: لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة.
وقيل: لذهب بما استفادوا من العِزِّ والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر.
وقر ابن عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة.
قوله: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
هذه جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها، و{كُلّ شيء} متعلّق ب {قدير} وهو فعيل بمعنى فاعل، مستق من القُدْرة، وهي القوة والاستطاعة، وفعلها قَدَرَ بفتح العين، وله ثلاثة عشر مصدرًا: قدْرَة بتثليث القاف، ومَقْدرَة بتثليث الدال، وقَدْرًا، وقَدَراَ، وقُدَراَ، وقَدَارًا، وقُدْرَانًا، ومَقِْرًا وقدير أبلغ من قادر، قاله الزَّجاج.
وقيل: هما بمعنى واحد؛ قال الهَرَوِيّ.
والشيء: ما صحّ أن يعلم من وَجْه ويخبر عنه، وهو في الأصل مصدر شاء يشاء، وهل يطلق على المعدوم والمستحيل؟ خلاف مشهور. اهـ. باختصار.